نعيش مع بعض الآيات القرآنية التي تتحدث عن علم المياه، وكيف تأتي الحقائق العلمية لتشهد على صدق هذا الكتاب العظيم، لنقرأ ونتأمل.
إن اكتشاف القوانين التي تحكم حركة السوائل شكَّل قفزة كبيرة في تطور فهمنا للماء من حولنا. فالذي يتأمل هذه القوانين لا يملك إلا أن يقول سبحان المبدع العظيم القائل: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} [النمل: 88].
هذه القوانين الفيزيائية أودعها الله تعالى في الماء لتكون دليلًا على دقَّة صنعه ولتكون آية تشهد على قدرته عزَّ وجلَّ. وتتجلَّى عَظَمَة هذه القوانين عندما نعلم بأن الله تبارك وتعالى قد حدثنا عنها في كتابه بمنتهى الكمال والوضوح!
في ظل المعرفة الحديثة لقوانين السوائل وبشكل خاص الماء نرى اليوم العلماء يؤكدون أن كل الماء الذي نراه على الأرض يدور دورة منضبطة ومقدّرة ومحسوبة. وهنالك قوانين فيزيائية تحكم حركة كل قطرة ماء خلال دورتها منذ نزولها من السماء وحتى تصل إلينا. وأن كل المراحل التي تمر فيها قطرة الماء ليست عشوائية بل تسير بنظام محكم.
لو تأملنا كل قطرة ماء في هذه الأرض، نرى نظامًا محكمًا يشهد على بديع صنع الخالق تبارك وتعالى، ونرى قوانين فيزيائية ثابتة تدل على منظم حكيم عليم، وهذا ما أخبر به القرآن: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد: 8- 9].
وهنا أيضًا تتجلى معجزة قرآنية في الحديث عن هذا الأمر في قوله تعالى: {وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ} [الزخرف: 11]. وتأمل معي كيف ربط البيان الإلهي بين نزول الماء من السماء وبين كلمة- بقدر- أي بنظام محسوب ومقدّر.
إن قطرة الماء الواحدة تحوي خمسة آلاف مليون جزيئة ماء!! وهذا العدد الضخم قد نظمه الله بنظام محكم ومقدر ومحسوب ولا يحيد عنه أبدًا، ولذلك قال تعالى: {وأنزلنا من السماء ماء بقدر}، أي بنظام وتقدير وحساب. وهذا ما يخبرنا به العلماء اليوم من خلال أبحاثهم التي اكتشفوا فيها أن النظام المائي على سطح الأرض شديد التعقيد والإحكام، وله قوانين ثابتة يقوم عليها.
لقد ورد ذكر الماء في القرآن في عشرات المواضع، ولا نبالغ إذا قلنا إنه في كل آية من هذه الآيات معجزة!
1- تحدث القرآن عن الخزانات المائية الضخمة الموجودة تحت سطح الأرض والتي تزيد كميتها عن المياه العذبة في الأنهار، وذلك من خلال قوله تعالى: {وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} فهذه العبارة تتضمن إشارة إلى عمليات تخزين المياه في الأرض، وهذا الأمر لم يكن معروفًا زمن نزول القرآن.
2- تحدث القرآن عن المدة الزمنية الكبيرة التي يمكث فيها الماء في الأرض دون أن يفسد أو يختلط ويتفاعل مع صخور الأرض، وذلك في قوله تعالى: {فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ} ففي هذه العبارة إشارة إلى أن الماء يسكن في الأرض ويقيم فترة طويلة من الزمن على الرغم من وجود الأحياء الدقيقة والفطريات والأملاح والمعادن والمواد الملوثة تحت سطح الأرض، إلا أن الماء يبقى نقيًّا وماكثًا لا يذهب، أليس الله تبارك وتعالى هو من أودع القوانين اللازمة لبقاء الماء بهذا الشكل؟
3- القرآن تحدث عن دور الجبال في تنقية المياه، وهذا الأمر لم يكن لأحد علم به من قبل، وكلما كانت الجبال أعلى كان الماء أنقى، ولذلك قال تعالى: {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا} [المرسلات: 27]. ويعتبر الباحثون اليوم الجبال كأهم مصدر للماء العذب في القرن الحادي والعشرين.
4- تحدث القرآن عن العمليات المنظمة والمقدرة التي تحكم نزول الماء ودورته في قوله تعالى: {وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ} أي بنظام مقدّر ومضبوط ومحسوب.
وأخيرًا عزيزي القارئ ألست معي في أن القرآن قد تحدث عن كل شيء وفصّله وبيّنه لنا؟ يقول تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89].
-------------------------
المراجع:
1- Baines، John. Water (Thomson Learning، 1993).
2- Blueford، J. R.، and others. Water Cycle: The Earth's Gift (Math Science Nucleus، 1992).
3- Campbell، Stu. Home Water Supply: How to Find، Filter، Store، and Conserve It (Storey Communications، 1983).
4- Cast، C. V. Where Does Water Come From? (Barron's، 1992).
الكاتب: عبد الدائم الكحيل.
المصدر: موقع أسرار الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.